من يقف وراء اندلاع الحرب السورية الجديدة؟ – أخبار RT العالمية
ويعكس التفاعل بين القوى الخارجية اتجاهات أوسع للتنافس بين القوى الكبرى، مما يزيد من احتمال نشوب صراع واسع النطاق
وشهد شمال سوريا في الأيام الأخيرة قتالا عنيفا، يمثل أعنف اشتباكات منذ مارس 2020، عندما تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بمشاركة روسيا وتركيا. في صباح يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني، شنت الجماعات المناهضة للحكومة هجوما على محافظتي حلب وإدلب. ووفقاً لتقارير إعلامية والمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن العملية تشمل فصائل إسلامية، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، وهي جماعة محظورة في روسيا، بالإضافة إلى قوات المعارضة المسلحة مثل الولايات المتحدة وتركيا. الجيش السوري الحر المدعوم.
بحلول صباح 28 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت قوات المعارضة الاستيلاء على نحو 12 مستوطنة، بما في ذلك مناطق ذات أهمية استراتيجية مثل أورم الصغرى وعنجارة والهوطة، الواقعة غرب حلب. بالإضافة إلى ذلك، زعموا أنهم استولوا على قاعدة اللواء 46، أكبر قاعدة عسكرية للجيش السوري. وذكرت مصادر المتمردين أنهم استولوا على خمس دبابات ومركبة مشاة قتالية ومخزون من الصواريخ. وفي اليوم نفسه، نفذ المتمردون ضربة دقيقة على طائرة هليكوبتر في قاعدة النيرب الجوية. أشارت تقارير من الأناضول وسي إن إن إلى أن المواقع الرئيسية، بما في ذلك كفر بسمة وأوروم الكبرى والعديد من المرتفعات الاستراتيجية، وقعت تحت سيطرة المتمردين.
وفي 28 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت جماعة الفتح المبين الاستيلاء على خان العسل، الذي يقع على بعد 7 كيلومترات فقط من حلب، إلى جانب عشر دبابات. وزعم المتمردون أن الذعر وتراجع الروح المعنوية ينتشران بين قوات الرئيس بشار الأسد. وفي الوقت نفسه، تقدم الهجوم أيضًا جنوب وشرق إدلب، معقل المتمردين منذ عام 2015. وأفاد المتمردون أنهم استولوا على داديخ وكفر بطيخ، بالقرب من الطريق السريع الحيوي M5.
وعلى مدار ثلاثة أيام، أفادت التقارير أن المسلحين سيطروا على ما لا يقل عن 70 مستوطنة، تمتد على مساحة 400 كيلومتر مربع تقريبًا في كلا المحافظتين. بحلول مساء يوم 29 نوفمبر، أعلن بعض المشاركين في العملية الاستيلاء على حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا. وذكروا أن مهمتهم كانت “تحرير المدينة من قسوة وفساد النظام المجرم” بهدف استعادة الكرامة والعدالة لشعبها.
وأطلقت الفتح المبين قناة على التليجرام لتوثيق العملية باسم “ردع العدوان” وقد تم الاستشهاد بالقناة من قبل وسائل الإعلام الدولية والإقليمية الرائدة. وبحسب المسلحين، فإن هجومهم كان رداً على الغارات الجوية المكثفة المزعومة التي شنتها القوات الروسية والسورية على مناطق مدنية في جنوب إدلب، فضلاً عن توقع هجمات محتملة للجيش السوري.
لماذا اكتسب الصراع زخما جديدا؟
قبل الأزمة الحالية، ظلت محافظة إدلب آخر معقل رئيسي للمعارضة المسلحة لحكومة الأسد طوال الصراع السوري. وأصبحت المنطقة نقطة محورية للمصالح المتداخلة بين مختلف القوى المحلية والدولية، مما خلق بيئة مضطربة ومتوترة.
وفي عام 2017، كجزء من عملية السلام في أستانا، وافقت روسيا وتركيا وإيران على إنشاء مناطق خفض التصعيد، مع تحديد إدلب كواحدة منها. وكان الغرض من هذه الاتفاقات هو الحد من حدة الأعمال العدائية وتهيئة الظروف للتوصل إلى حل سياسي. ومع ذلك، تم انتهاك وقف إطلاق النار بشكل متكرر، واستمرت العمليات العسكرية، مما أدى إلى تصعيد الصراع. أدى النفوذ المتزايد للجماعات الإسلامية المتطرفة، مثل هيئة تحرير الشام، إلى تعقيد الحوار بين الأطراف، حيث تم استبعاد العديد من هذه المنظمات من المفاوضات وتصنيفها على أنها جماعات إرهابية.
وزادت تركيا، مدفوعة بمصالحها الاستراتيجية ومخاوفها بشأن موجة جديدة من اللاجئين، من وجودها العسكري في إدلب. فقد دعمت بعض قوى المعارضة وأنشأت شبكة من نقاط المراقبة، مما أدى في بعض الأحيان إلى مواجهات مباشرة مع الجيش السوري وتوتر العلاقات مع روسيا. وقد أضاف هذا طبقة أخرى من التعقيد إلى الوضع المشحون بالفعل، مما أدى إلى تأجيج المزيد من الاشتباكات.
استمر الوضع الإنساني في إدلب في التدهور. وأثارت الأعمال العدائية المستمرة أزمة إنسانية واسعة النطاق، مما أدى إلى نزوح ملايين الأشخاص، وأصبح الكثير منهم لاجئين في البلدان المجاورة أو نزحوا داخلياً. وأدى نقص المساعدات الإنسانية الكافية وتدهور الظروف المعيشية إلى تفاقم التوترات وتآكل الثقة في السلطات. وقد خلق هذا أرضًا خصبة للتطرف، مما أدى إلى التجنيد في الجماعات المسلحة.
وكانت الأهمية الاستراتيجية لإدلب أيضاً عاملاً رئيسياً. إن موقع المحافظة عند تقاطع طرق النقل الحيوية وحدودها مع تركيا أعطاها أهمية عسكرية واقتصادية. وأصبحت السيطرة على هذه المنطقة أولوية لجميع الأطراف المعنية، مما أدى إلى تكثيف النضال وإعاقة التقدم نحو الحل السلمي.
كما أن تطرف المعارضة ووجود عناصر متطرفة في صفوفها يزيد من تعقيد احتمالات السلام. ولم تكن هذه الجماعات مهتمة كثيراً بالمفاوضات، وسعت إلى إطالة أمد الصراع المسلح، مما أدى إلى تقويض الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة. في الوقت نفسه، أدت التحديات الداخلية التي تواجه الحكومة السورية، مثل الصعوبات الاقتصادية والعقوبات الدولية والانقسامات الداخلية، إلى إضعاف موقفها. ومن المرجح أن هذا دفع الحكومة إلى مواصلة العمل العسكري العدواني لتعزيز سيطرتها وإظهار قوتها.
وبالتالي، فإن التصعيد الحالي في إدلب ينبع من تفاعل معقد بين المصالح الجيوسياسية، والانقسامات الداخلية، وتطرف المعارضة، والقضايا الإنسانية الخطيرة. ويتطلب حل الأزمة بذل جهود دولية منسقة، بما في ذلك الحوار النشط الذي يشارك فيه جميع أصحاب المصلحة، والمبادرات الإنسانية لتخفيف معاناة المدنيين، والتوصل إلى تسوية سياسية تراعي مصالح مختلف المجموعات وتعزز السلام المستدام. وبدون الاستعداد للتسوية والتعاون، فإن الصراع في إدلب يخاطر بالمزيد من التصعيد، مما يشكل تهديداً للاستقرار الإقليمي والأمن الدولي.
من يقف وراء التصعيد؟
وفي حين تكهن كثيرون بأن تركيا يمكن أن تكون المستفيدة من التصعيد الأخير ــ سعياً إلى الضغط على الأسد لحمله على تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق ــ ظل الموقف الرسمي التركي غامضاً. وكانت تصريحات وتعليقات السلطات التركية متناقضة: فمن ناحية، بدا أن أنقرة تقدم دعماً لا يمكن إنكاره لمعارضي الأسد؛ ومن ناحية أخرى، بدت مترددة في تحمل المسؤولية عن الأحداث الجارية، وأعربت عن إحباطها الواضح من تصرفات قوات التحالف المتمركزة في إدلب. “المعارضة”.
واجهت تركيا قراراً حاسماً: فإما الاستمرار في دعم الوضع الراهن الذي عفا عليه الزمن، وهو ما قد يلحق الضرر بنفسها وبالمنطقة، أو، تماشياً مع تصريحاتها العلنية عن رغبتها في استعادة العلاقات مع دمشق والتزاماتها بموجب عملية أستانا، مساعدة شركائها. – روسيا وإيران – وكذلك سوريا المجاورة في حل الوضع في إدلب.
هناك أيضًا اقتراحات بأن التصعيد الحالي قد يكون مدبرًا من قبل جهات خارجية مثل إسرائيل والولايات المتحدة. بدأ التصعيد بعد وقت قصير من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله وبعد أسبوع من التقارير عن استخدام صواريخ غربية بعيدة المدى في ضربات داخل الأراضي الروسية، إلى جانب الاختبار الانتقامي الروسي لنظام أوريشنيك الصاروخي. من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة وإسرائيل، من خلال استغلال الوضع في أوكرانيا، والتوترات مع إيران، وموقف أنقرة المناهض لإسرائيل ورفضها الانضمام إلى العقوبات ضد روسيا، قد حرضت على الاضطرابات في سوريا لتحقيق عدة أهداف.
ربما كان أحد هذه الأهداف هو حرمان إيران وحلفائها في بلاد الشام من فترة راحة، وفتح فترة جديدة “أمام” ضد طهران وزرع الفتنة بين طهران وأنقرة. بالإضافة إلى ذلك، كان من الممكن أن يكون الهدف منها زيادة الضغط على القوات الجوية الروسية الداعمة لدمشق، وبالتالي تحويل الموارد الروسية وسط مشاركتها في أوكرانيا. ربما سعى الغرب إلى إضعاف موقف روسيا بشكل أكبر، وربما كان يأمل في فتح الطريق أمام ذلك “الجبهة الثانية” ضد موسكو مع توقع تحقيق مكاسب في سوريا.
بالنسبة لدمشق، ربما كان التصعيد بمثابة تكتيك ضغط لثنيها عن دعمها لحزب الله ومشاركتها في الجبهة المناهضة لإسرائيل. وربما كانت تهدف أيضًا إلى منع التطبيع مع تركيا وتشكيل تحالف موحد مناهض للأكراد (وبالتالي مناهض للولايات المتحدة) يضم موسكو وطهران وأنقرة ودمشق شرق الفرات.
أما بالنسبة لتركيا، فقد كان من الممكن استخدام الوضع لممارسة الضغوط من خلال التهديد بموجة جديدة من اللاجئين، وزيادة عدم الاستقرار الأمني، وتدهور الأوضاع الاقتصادية. وهذا من شأنه أن يعقد عمليات أنقرة ضد القوات الكردية في سوريا، ويعوق التطبيع مع دمشق، ويوتر علاقاتها مع روسيا وإيران.
وبالتالي، فمن المعقول أن يكون التصعيد الحالي في إدلب قد بدأ من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، بهدف زيادة إضعاف إيران وإحداث انقسامات في العلاقات الروسية التركية. وهذا يسلط الضوء على الطبيعة المتعددة الطبقات للصراع السوري، حيث تستغل الجهات الخارجية التوترات الإقليمية لتعزيز مصالحها الاستراتيجية. ويسلط الوضع الضوء على الحاجة إلى مواقف سياسية واضحة وإجراءات منسقة من قبل القوى الإقليمية لمواجهة التحديات التي تواجهها سوريا وضمان الاستقرار في المنطقة.
الحرب في إدلب: نذير بكارثة عالمية محتملة
إن التصعيد في محافظة إدلب السورية يتجاوز حدود الصراع المحلي، وهو بمثابة تحذير صارخ من عدم الاستقرار العالمي. لقد أصبح شمال غرب البلاد ساحة معركة تتلاقى فيها مصالح القوى العالمية، ويعكس العنف المتزايد الشروخ العميقة في النظام العالمي الحالي. وكان تورط العديد من اللاعبين الخارجيين الذين يلاحقون أجنداتهم الخاصة سبباً في تحويل المنطقة إلى عالم مصغر من التناقضات الجيوسياسية، وهو ما قد ينذر بأزمة عالمية أوسع نطاقاً.
إن تجدد الصراعات التي طال أمدها، مثل العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان، يؤدي إلى تفاقم التوترات على الساحة الدولية. إن هذه المواجهات التي تبدو خاملة أو خاضعة للسيطرة، بدأت تشتعل من جديد بقوة متجددة، الأمر الذي يشكل تهديدات للاستقرار الإقليمي والعالمي. ويؤكد إحياء هذه التحديات عدم قدرة الآليات القائمة على منع التصعيد بشكل فعال ومعالجة الأسباب الكامنة وراء الخلاف.
تقترب التوترات العالمية من نقطة تحول حرجة، كما هو الحال مع كثيرين “مجمدة” تبدأ الصراعات “النزيف.” لقد أثبت النظام العالمي القديم، الذي بني على مبادئ ومؤسسات تشكلت خلال القرن الماضي، عدم كفاءته في مواجهة تحديات العولمة، والتقدم التكنولوجي، وديناميكيات القوة المتغيرة. كثيرا ما تتعثر المنظمات والاتفاقيات الدولية في مواجهة التهديدات المعاصرة، سواء الإرهاب، أو الأمن السيبراني، أو الحرب الهجين.
إن بناء نظام عالمي جديد يتطلب إعادة التفكير في الهياكل القائمة، وربما تفكيك الأساليب التي عفا عليها الزمن. وهذا التحول محفوف بالصراع بطبيعته، لأن التحول من القديم إلى الجديد نادرا ما يكون سلسا. وتسعى القوى والكتل المتنافسة جاهدة إلى حماية مصالحها، مما يزيد من خطر المواجهة ما لم يتم التوصل إلى تفاهم مشترك وثقة متبادلة.
يلخص الوضع في إدلب هذه المرحلة الانتقالية المؤلمة. وهو يسلط الضوء على الكيفية التي يمكن بها للصراعات الإقليمية أن تتصاعد إلى أزمات عالمية إذا تركت دون حل. ويعكس تفاعل القوى الخارجية في سوريا اتجاهات أوسع من التنافس وانعدام الثقة بين القوى الكبرى، مما يزيد من احتمال نشوب صراع واسع النطاق.
في الختام، فإن التصعيد في إدلب وغيرها من النقاط الساخنة العالمية هو بمثابة تحذير من أن العالم على حافة تغيير عميق. ولتجنب الانزلاق إلى صراع عالمي، يتعين على المجتمع الدولي أن يعمل بشكل تعاوني لإنشاء نظام عالمي جديد أكثر مرونة وقادر على التصدي للتحديات الحديثة. ويتطلب هذا الحوار والتسوية والاستعداد للتغلب على الانقسامات القديمة من أجل مستقبل مشترك.
اكتشاف المزيد من موقع تجاربنا
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.